ما رايك فيما تشاهدة او تقراة؟

الأحد، 25 أبريل 2010

مصادر الدولة الاموية

  • بسم الله الرحمن الرحيم
    m
    تعود صلتي بتاريخ الدولة الأُموية منذ فترة ليست بالقصيرة ، كنت خلالها أَتوخى الدقة في كل ما أقدمه من مادة علمية ، بحثاً وتدريساً , فأصبحت غير مقتنع بمقولة أن تاريخ الدولة الأُموية قد جاء مشوَّهاً لأنه كتب في عهد الدولة العباسية وأن بعض الخلفاء العباسيين حاولوا طمس مآثر الأمويين. ولكنني اعتقد أن التشويه يكمن في تركيز بعض الباحثين المحدَثين، غربيين وشرقيين، علــى بعض الروايات المعاديـــة للأمويين التي - ربما - أشاعتها القوى المعارضة لهم ودوّنت في المصادر فأخذها أولئك الباحثون كأنها حقائق مسلَّم بها ، علماً بأنهم يدركون أن مصنفي تلك المصادر أوردوا الروايات على اختلافها وتركوا لغيرهم تقييمها. ولعلّي لا أبالغ إذا قلت أن الخلفاء العباسيين لم يكن لهم دور رئيس في هذا التشويه، بل إن بعضهم كانوا يشيدون بإنجازات بعض خلفاء بني أُمية وولاتهم. وعلى كل حال ، فإن التشويه الذي حدث لبعض أحداث التاريخ الأُموي وسير بعض خلفائهم عميق ومعقد ، وبعضه فيه من الخيال ما يصعب تصديقه .
    هذا الكتاب الذي يمثّل نظرة شمولية على تاريخ الدولة الأموية وحضارتها، يتألف من سبعة فصول : يتناول الفصل الأول نَسب بني أُمية والدور الذي قاموا به قبل توليهم الخلافة . وعن أسباب قيام الدولة الأُموية ومراحله .
    أما الفصل الثاني فيبحث في نظام الحكم والإدارة : من حيث الولايات التي تتكون منها الدولة والوظائف الإدارية وكذلك الدوائر المساندة (الدواوين)، وحركة التعريب التي تميز بها ذلك العصر ، وآثاره.
    ويبحث الفصل الثالث في الجهود التي بذلها الخلفاء الأمويون وولاتهم في مجال الفتوحات الإسلامية .
    أما الفصل الرابع فيحتوي على معلومات مركزة عن نظام التعليم وأقسامه وأماكن التعلّم . وكذلك الأثر الذي أحدثه انتشار التعليم في تطور الحركة الثقافية .
    ويقدم الفصل الخامس لمحات عن العمران (العمارة) وأبرز مظاهره في تلك الفترة.
    وأما الفصل السادس فيبحث في قوى المعارضة ضد الدولة الأموية في مختلف الأقاليم وآثارها .
    ويتناول الفصل السابع بعض الأسباب التي أدت الى سقوط الدولة الأموية .
    ويجب أن أشير: أن ما كتبته لم أكن أهدف من ورائه كسبا ً ماديا ً أو شهرة علمية ، وإنما إراحة لنفسي مما تجمع لدي من مادة علمية ، فأردت أن أنشرها للناس لعلهم يجدون فيها بعض ما يبحثون عنه ، عملا ً بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام : " من كتم علما ً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار " . وعسى أن يكون علما ً نافعا ً فأفوز بأجره يوم ينقطع عمل ابن آدم .

    والله ولي التوفيق


    مصادر تاريخ الدولة الأموية وحضارتها

    يمكن للباحث في تاريخ الدولة الأموية وحضارتها أن يستخلص معلومات بحثه من المصادر الأولية ( المخطوط منها والمطبوع ) وهي تتوزع على النحو التالي :
    1 - كتب التاريخ العام : وهي تقدم معلومات هامة عن الحوادث السياسية والشؤون الإدارية . ومؤلفو هذه الكتب قاموا بترتيب معلوماتها كالآتي :
    ( أ ) حسب الحوليات ( السنويات أي سنة بعد أخرى) ومن الأمثلة على ذلك :. كتاب التاريخ لخليفة بن خياط العُصْفُري ( ت 240هـ / 854م) وكتاب التاريخ لأحمد بن واضح اليعقوبي ( ت 282هـ / 895م ) وكتاب تاريخ الأمم والملوك لمحمد بن جرير الطبري ( ت 310هـ/922م ) وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر لعلي بن الحسين المسعودي ( ت 346هـ/957م) وكتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير علي بن محمد الجزري ( ت 630هـ /1232) وكتاب تاريخ الإسلام لمحمد بن أحمد الذهبي ( ت 748هـ / 1347م ) وكتاب البداية والنهاية لابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي ( ت 774هـ/1372م ) .
    ( ب ) حسب المواضيع التاريخية : مثل كتاب الأخبار الطوال لأحمد بن أبي داود الدينوري (ت 282 هـ / 895 م) وكتاب التنبيه والإشراف للمسعودي .
    2 - كتب الأمكنـة ( البلدان ) : وهي تحوي أخباراً عن أوضاع المدن أو الأقاليم الإسلامية ومظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها . وهي لا
    تهتم كثيراً بالأحداث السياسية إلا فيما يختص بطبيعة الصعاب التي واجهها المسلمون في الفتح والاستقرار لبعض تلك الأماكن . ومن الأمثلة على ذلك : كتاب أخبار مكة لأحمد بن عبد الله الأزرقي ( ت 244هـ/858م ) وكتاب فتوح مصر وإفريقية وأَخبارها لعبد الرحمن بن عبد الحكم القرشي ( ت 257هـ/870م) وكتاب تاريخ المدينة لعمر بن شبَّة النميري البصري ( ت 262هـ/875 م ) وكتاب فتوح البلدان لأحمد بن يحيى البلاذري (ت 279هـ/892م) وكتاب أخبار مكة لمحمد بن إسحاق الفاكهي (ت 279هـ/895م) وكتاب تاريخ واسط لأسلم بن سهل بن الرزّار الواسطي المعروف ببَحْشَل ( ت 292هـ/904م ) وكتاب الفتوح لابن أعثم أحمد الكوفي ( ت 314هـ/926م ) وكتاب تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية (ت 367هـ/977م ) وكتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( ت 463هـ/1072م) وكتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر علي بن الحسن الدمشقي ( ت 571هـ/1175م ) وكتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى لعلي بن أحمــد السَّمهودي (ت 911هـ/1505م).
    3 - كتب التراجم والطبقات : وهي تفيد في معرفة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والعلمية لبلد المترجم له . وكذلك الأثر أو الآثار التي خلفتها الشخصية المترجم لها . ومن الأمثلة على ذلك : كتاب سيرة عمر بن عبد العزيز (على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه ) لعبد الله بن عبد الحكم ( ت 214هـ/829م ) وكتاب الطبقات (الكبرى) لمحمد بن سعد بن منيع الزُّهْري (ت 230هـ/844م) وكتاب الطبقات لخليفة بن خياط العُصْفُري ( ت 240هـ/854م) وكتاب أنساب الأشراف لأحمد بن يحيى البلاذري ( ت 279هـ / 892م ) وكتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب ليوسف بن عبد البَرْ ( ت 463هـ/1070م ) وكتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير علي بن محمد الجزري ( ت 630هـ/1232م ) وكتاب وفيات الأعيان لأحمد بن خلكان ( ت 681هـ/1282م ) وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة : وكتاب تهذيب التهذيب لابن حَجَر أحمد بن علي العسقلاني ( ت 852هـ/1448م ) .
    4 - كتب الفقه : وهي تحوي بيانات كثيرة عن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والمالية ( من خراج وجزية وزكاة وفيء وغنيمة وعشور ، والقوانين المنظمة لكيفية جبايتها وتوزيعها ) ، ومن الأمثلة على ذلـــك : كتاب الخَراج لأبي يوسف يعقــــــوب بن إبراهيم الأنصـــــاري (ت 182هـ/895م ) ، وكتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي ( ت 203هـ/818م) وكتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم ( ت 224هـ/838م ) ، وكتاب الخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر البغدادي ( ت 329هـ/940م ) .
    5 - كتب النُّظُم : وهي تتناول الشروط المنظمة للوظائف الإدارية من خلافة وولاية وقضاء وحسبة ، وما شابهها . ومن الأمثلة على ذلك : كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية لعلي بن محمد الماوَرْدي (450هـ/1058م ) وكتاب الأَحكام السُّلطانية لأبي يعلى محمد بن الفرَّاء (ت 458هـ/1065م ) وكتاب الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلاميـــــــــة لمحمــــــــد بن علــــــي بن طَباطَبا المعـــروف بابن الطَّقْطَقا ( 709هـ/1309م) وكتاب المقدمة لعبد الرحمن بن خلدون ( ت 804هـ/1401م ) وكتاب مآثر الانافة في معالم الخلافة لأحمد بن عبد الله القَلقَشَندي ( ت 821هـ/1418م ) .
    6 - كتب الأدب : وهي تتضمن معلومات تفيد في فهم مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية ( نواحي الذوق والعادات والمقاييس الخلقية والمثل العليا، ومستوى المعيشة، والأعياد، وأساليب التسلية وأحوال المدن... ). وهي تفيد كذلك في تحديد بعض الأماكن الجغرافية التي لا تتطرق إليها كتب التاريخ العام وكتب البلدان . ومن الأمثلة على ذلك الكتب التالية : عيون الأخبار لابن قتيبة (ت 276هـ/889م) والكامل في اللغة والأدب والنحو للمبرّد (ت 285هـ/898م ) وجمهرة اللغة ، والاشتقاق لابن دُريد ( ت 321هـ/933م) والعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ( ت 328هـ/939م ) وكتاب الأمالي للقالي ( ت 356هـ/966م ) وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ( ت 356هـ/966م) .
    وهناك أيضاً دواوين الشعراء الذين عاشوا في العصر الأموي مثل : جرير والفرزدق والأَخْطَل ونابغة بني شيبان وعبيد الله بن قيس الرُّقَيّات ونُصيب بن رباح والأَحْوَص الأنصاري وعبد الله بن الزَّبير الأَسدي والراعي النميري وأبي دَهْبَل الجمحي والعَرجي وعمر بن أبي ربيعة وليلى الأَخْيَلِيَّة وذي الرُّمَّة ومسكين الدارمي وأعشى همدان وغيرهم .
    وإضافة إلى ما سبق، فهناك معاجم اللغة ، ومنها : تهذيب اللغة للأزهري الهروي ( ت 370هـ/980م ) والصِّحاح في اللغة للجوهري (ت 393هـ/1002م) ولسان العرب لابن منظور ( ت 711هـ/1311م)، والقاموس المحيط للفيروز أبادي ( ت 817هـ/1414م ) ، وتاج العروس للزَّبيدي ( ت 1205هـ/1790م).
    7 - كتب الجغرافيا والرحلات : وهي تقدم معلومات هامة ( معظمها عن شاهد عيان حيث كانت رحلات مؤلفيها لتأدية فريضة الحج أو لطلب العلم أو للتجارة أو للسياحة ) تفيد الباحثين في نواحي الحياة الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية وحتى العمرانية عن البلدان التي تتحدث عنها . ومن الأمثلة على ذلك : كتاب المسالك والممالك لابن خُرْدَاذَبَة ( ت حوالي 300هـ/912م ) وكتاب مسالك الممالك للاصطَخْري ( ت 318هـ/930م ) وكتاب صفة جزيرة العرب للهمداني ( ت 334هـ/945م ) وكتاب صورة الأرض لابن حَوقَل ( ت بعد 367هـ/977م ) وكتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمَقدسي ( ت 388هـ/998م ) . وكتاب رحلة ناصر خسرو (سفرنامه) لناصر خسرو ( ت 481هـ/1088م ) ، وكتاب نُزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي ( ت 560هـ/1164م ) وكتاب معجم البلدان لياقوت الحَمَوي ( ت 626هـ/1228م ) .
    8 - الوثائق : وهي تحوي معلومات تاريخية قد تتوفر وقد لا تتوفر في أي مصدر آخر . وأشهر هذه الوثائق : مجموعة أوراق البَردي ، التي عثر عليها (1240هـ/1824م) في قرى صعيد مصر ( كوم أَشقاو وسقارة وأخميم وميت رهينة والأُشْمونين) . وهي تقدم للباحث ثروة علمية هامة حول الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية لمصر الإسلامية . ( فيها معلومات عن الجزية والخراج وأنظمة الإدارة وبناء العمائر والمساجد وإنشاء الأساطيل فضلاً عن عقود البيع والشراء والوقف والهبة والزواج والطلاق وأعداد الجند ومستحقاتهم وأجور العمال والمكاتبات فيما بين الخلفاء والولاة والعمال ومكاتبات علمية مثل الوصفات الطبية وأحاديث نبوية وقصائد شعرية وأدب وسيَر ومغازي ، وغيرها ) . وتحتفظ دار الكتب المصرية في القاهرة بمجموعة من أوراق البردي بينما تتوزع مجموعة ضخمة أخرى من هذه الأوراق مكتبات ومتاحف عواصم وكبريات المدن في دول غرب أوروبا وشرقيها وفي أميركا وكندا . وقد اهتم المستشرق النمساوي أَدولف جْرومان Adolf Grohmann بدراسة هذا النوع من الوثائق (البرديات) ونشر دراساته في كتاب " أوراق البردي العربية " في ستة مجلدات ( مترجم للعربية ) وحول هذه الوثائق كتب أحمد الشامي مقالة بعنوان أوراق البردي العربي مصدر أصيل للتاريخ الإسلامي (مجلة المؤرخ العربي، ع 9 ، بغداد 1978م) ومن جهة أخرى قام محمد ماهر حمادة باختيار نماذج لعهود ومواثيق ومكاتبات وخطب ووصايا للخلفاء والولاة وذوي الرأي في العصر الأموي الواردة في كتب التاريخ ونشرها في كتاب بعنوان الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي .
    9 - الآثار : وهي تشمل العاديات التي جاءت إلينا من الماضي متمثلة في المباني والعملات والفخاريات والمنسوجات وما تحويه من زخارف ورسومات . ودراسة هذه العاديات ( والنظر إليها ) تعطي فكرة عن مدى التقدم المعماري والفني والمهني إبان تلك الفترة المبكرة . وتتمثل بعضاً من آثار الأُمويين ( التي لا تزال ماثلة للعيان) في مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس وفي المسجد الأُموي بدمشق وفي مسجد عقبة بن نافع في القيروان . وفي مسجد عمرو بن العاص في القاهرة. وفي سَدّ سِيسَد على وادي لِيَه ( 10 أكيال مترية شمال شرق الطائف ، وهو الآن ضمن أرض منتزه الطائف الوطني ) . وفي قصور الأُمويين في الأردن ( قُصَير عَمرَة، وقصر الحَرَّانة ، وقصر المُشَتّى وقصر الطُّوبَة ، وحمّام الصَّرح ، وغيرها). وفي قصري الحِير الشرقي والغربي في تدمر ( سوريا ) وفي قصر هشام ( قصر خربة المفجَر ) في أريحا (فلسطين ) . وفي بقايا قصور الأُمويين ببلدة عَنْجَر (لبنان). وتتمثل كذلك في العملات النقدية ، الذهبية والفضية والنحاسية (دينار ودرهم وفلس) ، وفي قطع المنسوجات والفخاريات والحلي التي يمكن مشاهدتها في المتاحف ولدى بعض المهتمين بالتراث .
    وللمزيد من التفاصيل حول الآثار، يمكن للقارئ أن يراجع كتاب الآثار الإسلامية الأولى للمستشرق البريطاني كْرِزْويِل Cresswell، وكتاب فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية لمؤلفته نعمت إسماعيل علام وكتاب الفن العربي الإسلامي في بداية تكوينه لعفيف بهنسي.
    وعلى أية حال ، فإن ما نقدمه هنا من مصادر ما هو إلا أمثلة حيث أن المصادر أوسع من أن تشملها نبذة كهذه .

    المراجع :
    وهي تشمل الكتب التي تعنى بدراسة تاريخ الدولة الأموية وحضارتها وتراجم رجالها. وكذلك المقالات المنشورة في المجلاّت (الدوريات) العلمية المتخصصة التي تصدر عن الجامعات أو مراكز البحوث أو الجمعيات التي تعنى بالدراسات التاريخية (مثل: الجمعية التاريخية السعودية، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون) والمقالات التي تنشر في الموسوعات المتخصصة مثل الموسوعة الإسلامية، والموسوعة العربية العالمية. والمقالات التي تناقش في المؤتمرات والمنتديات الثقافية (مثل: مؤتمر المستشرقين، ومؤتمر اتحاد المؤرخين العرب، والندوة العالمية لتاريخ الجزيرة العربية (جامعة الملك سعود) والمؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام (جامعة دمشق والجامعة الأردنية).
    أما الرسائل الجامعية التي تتناول جوانب متعددة من التاريخ الأموي وحضارته ، فهي ولله الحمد متوافرة بشكل جيد (سواء باللغة العربية أو بلغات أخرى) ويمكن الوصول إليها بسهولة ويسر. ويمكن للباحث من الوصول اليها عن طريق الأقسام المعنية أو المكتبات الجامعية .
    وبالنسبة لموضوعات هذه المراجع فهي متعددة، وتكاد تغطي جميع مناحي الحياة السياسية ، والإدارية ، والثقافية ، والعمرانية ، والاقتصادية في العصر الأموي وهي تتباين في أفكارها وطروحاتها (وبخاصة في التاريخ السياسي ، بحيث يجد أحدنا صعوبة في تزكية كتاب بعينه ) .

    الأمويون ودورهم في الحياة العامة قبل تأسيس دولتهم
    يُنسَب الأُمويون إلى أُمية الأكبر بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهم ينتمون إلى قبيلة قريش التي كان لها نفوذ واضح في مكة قبل الإسلام وبعده . وكان لعبد شمس ، والد أُمية ، دور في خدمة قريش وتوثيق صلاتها بالعالم الخارجي . فقد استطاع بما كان له من سمعة ونفوذ من الحصول على إيلاف لقريش من النجاشي في الحبشة . وتحصل إخوانه ، أبناء عبد مناف ، على عهود من ملوك العراق والشام
    واليمن فتوجهت قريش لممارسة تجارتها مع هذه الجهات الأربع على حال آمنة . وخرجت بذلك من نطاق التجارة المحلية إلى الدولية ، بما عقد لها بنو عبد مناف من الذمم . فسمّي بنو عبد مناف بالمُجَبِّرين ، لأن الله جَبَر بهم قريشاً، وأغناها .
    ورث أُمية الأكبر بن عبد شمس الوجاهة والثراء عن والده . فكان يشارك أقرانه وأبناء عمومته في كل ما من شأنه رفعة قريش وفي تقديم أفضل الخدمات لأهل مكة والقادمين إليها ، ولذلك عدَّ من أجواد قريش . وكان أُمية أحد وجهاء قريش الذين ذهبوا من مكة إلى صنعاء لتهنئة سيف بن ذي يزَن الحِمْيَري على نجاحه في استعادة اليمن من مسروق ابن أبرهة الحبشي وصدّ خطر الأحباش عنهم . وقد أكرمهم سيف ومنحهم اعطيات قيمة .
    كان أُمية يتميز بكثرة عدد أبنائه فقد تحدر من صلبه اثنا عشر إبناً ، ولذلك قيل عنه : فيه البيت والعَدَد . وكان من أشهر أبنائه : أبو العاص ، وحرب .
    1) أبو العاص بن أُمية ، وكان من حكماء قريش وشعرائهم . ومن ولده : عفان ( أبو عثمان بن عفان t ثالث الخلفاء الراشدين ) ؛ والحكم (أبو مروان بن الحكم ، رابع الخلفاء الأمويين ) . وصفية زوجة أبي سفيان وأم ابنته رَمْلةَ زوجة الرسول e .
    2) حرب بن أُمية ، والد كل من : أبي سفيان صخر بن حرب ، وأم جميل بنت حرب ( حمَّالة الحطب امرأة أبي لَهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ) . آلت إلى حرب زعامة قومه بعد وفاة والده . وصارت إليه رئاسة قريش بعد وفاة عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف . ووصِف حرب بأنه رجل : "بَعيد الغضَب ، رفيع الصّيت في العرب جَلِد المريرَة (قوي العزيمة)، تُحبّه العَشيرة".
    كان حرب ، لرجاحة عقله ، أحد حكّام قريش الذين يلجؤون إليه لفض المنازعات . كما اشتهر بأنه كان أحد قادة قريش وكنانة في حرب الفِجار ضد قيس وهوازن وسُلَيم وثقيف في عكاظ ، قرب الطائف . واستجابة منه لشروط الهدنة التي عقدها عُتبة بن ربيعة بن عبد شمس بين الطرفين فقد وضع حرب ابنه صخراً ( أبا سفيان ) رهينة عند قيس وهوازن حتى اصطلح الطرفان .
    ولما مات حرب تفرقت الرئاسات والشَرَف في بني عبد مناف ، وغيرهم من قريش ، فآلت رئاسة بني أُمية إلى أبي أُحَيْحة سعيد بن العاص ابن أُمية . وكان عظيم القَدْر عزيزاً في قومه عظيم النخوة . وأدرك النبي e قبل أن يَصدع بالدعوة فلم يُسْلم . ولكن ابنيه : خالداً وعمراً كانا من أوائل من أسلم، وهاجرا مع من هاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة . ولم يعودا إلاَّ في سنة 7هـ/628م .
    وبعد وفاة أبي أُحيحَة سعيد بن العاص ( 2هـ/623م ) ؛ وإثر مقتل الكثيرين من رجالات قريش في موقعة بدر ( 17 رمضان 2هـ/آذار (مارس)623م) . أصبح أبو سفيان صخر بن حرب بن أُمية زعيم قريش ضد المسلمين . وظل أمره كذلك حتى أسلم يوم فتح مكــــة (رمضان سنة 8هـ/629م ) وأسلم معه من بقي على حاله من أهل مكـــــة . فتألف رسول الله e القوم وأكرمهم ، واستعمل العديد من بني أمية على بعض عمله : فقد ولّى رسول الله e أبا سفيان على صدقات الطائف ، ثم استعمله على نجران، وولى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية على اليمن ، وأبان بن سعيد ابن العاص على البحرين ، وعمرو بن سعيد ابن العاص على خيبر ووادي القرى وتيماء وتبوك ، وعيَّن عَثَّـــــــــــاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية على مكة حين غادرها رسول الله e لمحاربة هوازن في حنين (8هـ/629م). واتخذ رسول الله e معاوية بن أبي سفيان أَحد كتبته .
    وعقب وفاة رسول الله e سنة 11هـ/632م ، استمر خلفاؤه: أبو بكر وعمر وعثمان ، رضي الله عنهم ، في الاستعانة ببعض بني أُمية في أعمالهم . فقد أثبت أبو بكر t عتَّاب بن أسيد على مكة ، وبعث خالد بن سعيد ابن العاص في حملة استطلاعية إلى أرض الشام فقتل ومعه أخوه عمرو في اشتباكه مع البيزنطيين في موقعة مرج الصُّفَّر قرب دمشق (13هـ/634م) ؛ وعيَّن يزيد بن أبي سفيان أميراً على أحد الجيوش المتوجهة لفتح بلاد الشام . فانتصروا على البيزنطيين في وقعة أَجنادين بفلسطين ( 13هـ/634م ) . ولما احتاج يزيد إلى قوة إضافية بعث بها الخليفة إليه وجعلها تحت إمرة معاوية . وكان والده أبو سفيان يرافق ذلك الجيش .
    وفي فترة خلافة عمر بن الخطاب t ( 13 - 23هـ /634-643م) شارك أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية في موقعة اليرموك ضد الروم (15هـ/636م ) وأبلوا فيها بلاءً حسناً . وبعد ذلك ، عيَّن عمر يزيدَ والياً على جند دمشق . وعند وفاة يزيد بسبب الطاعون في عمواس بفلسطين سنة 19هـ/640م أثبت عمر معاوية مكانه .
    وفي فترة خلافة عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية t (23 - 35هـ/643 - 656م ) كان ضمن من شاركوه المسؤولية شخصيات من بني أُمية . فقد وضع إقليم الشام وإقليم الجزيرة الفراتية تحت إمرة معاوية ، وعيَّن الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة ثم عزله ، وعين عليها سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية . واتخذ مروان بن الحكم كاتباً له . وظل الأمر كذلك حتى قتل عثمان رحمه الله ( 35هـ /656م ) وبويع علي بن أبي طالب t بالخلافة .
    بدأ علي بن أبي طالـــــب t عهده ( 35هـ/656م ) بإصداره أوامــــر بعزل ولاة من كان قبله . فأنفذوا جميعهم أوامره إلا معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية ، الذي رفض إنفاذ أمر الخليفة في جميع أرض الشام . وزاد على ذلك بأن أرسل قواتــــه لمنع سهل بن حنيف الأنصاري ( عامل عليّ المعيَّن بدل معاوية ) من دخــــــــول الشام . فلقيته خيل معاوية عند تبوك وأرجعته إلى المدينة . فبدأت الأمور تأخذ منحى آخر ، سنناقشه لاحقا ً .











    تأسيس الدولة الأموية
    أسس الأُمويون دولتهم بعد نزاعٍ دامٍ ، بين الخليفة علي t بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ومعاوية t بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف، شاركت فيه مختلف القوى من رجالات قريش والقبائل العربية الأخرى . وعـــزا المؤرخون في رواياتهم ، والباحثون في استنتاجاتهم ، اتخاذ معاوية هذا الموقف إلى عدة أسباب، منها:
    1- المنافسة فيما بين بني هاشم وبني أُمية والتي تعود إلى ما قبل الإسلام. ولكن هذه المنافسة كانت بقصد رفع شأن قريش، ولم يحصل أن تقاتل المتنافسان بل بالعكس ، فقد كان عبد المطلب بن هاشم صديقاً (جليساً) لحرب بن أمية . وكان أبو سفيان ، صخر بن حرب بن أُمية ، نديماً (صَفِيّاً) للعباس بن عبد المطلب في الجاهلية. ولهذا فقد أخذ العباس لأبي سفيان أماناً من الرسول e يوم فتح مكة (8هـ/629م) .
    2 - " صعوبة تَخلّي بني أُمية عن بعض الامتيازات التي حصلوا عليها في فترة خلافة عثمان t، بحيث أصبحوا طبقة إقطاعية كبيرة لها وزنها وسلطانها . فناهضوا علي بن أبي طالب t ولم يزل معاوية يناهضه بهم حتى قتل ".
    3 - طموح معاوية الشخصي ورغبته في أن يكون من ذوي الجاه والمنعة ، وربما كان لوالديه دور في تنمية هذا الطموح لديه، وربما تولَّد هذا الطموح بعد أن ولي إقليم الشام لفترة طويلة تمكن خلالها من التقرب إلى أهله والاطمئنان إلى دعمهم ومساندتهم في كل خطوة يتخذها.
    4 - طلب معاوية في الإبقاء عليه والياً على بلاد الشام مقابل البيعة لعلي . وكان مما جاء في طلبه الذي سلّمه إلى جرير بن عبد الله البجلي ، مبعوث علي : " أن يجعل إليَّ الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بيعة في عنقي، وأُسلم له هذا الأمر ، وأَكتب إليـه بالخلافة " . ولكن عليا ً رفض طلب معاوية هذا .
    وتفيد إحدى الروايات أن المغيرة بن شعبة الثقفي قد نصح علياً بأن يترك معاوية على ولاية الشام ، لأن لمعاوية جُرأة ، وهو في أهل الشام يُسمع منه ، ولك حجة في إثباته ، كان عمر قد ولاّه الشام كلها، ولكن عليّاً أصر على رفضه ، قائلاً : " لا والله ، لا استعمل معاوية يومين أبداً ".
    5 - محاولة معاوية إيقاف هجرة القبائل من الجزيرة العربية إلى سورية (ولاية الشام) لما تسببه من ضغوط إقتصادية وآثار اجتماعية في مجتمع بلاد الشام . "غير أن علياً كان يرى أن لكل ولاية حدودها وحروبها . وإذا تصرفت كل ولاية كما تتصرف سورية ، فإنه ينسد كل مجال أمام أي نازحين جدد . لابد لسورية أن تسهم بحل مشاكل الأمة كلها ، حتى ولو كان ذلك يعني فقدان امتيازات عزيزة وهدم ما حققه معاوية خلال ولايته ".
    6 - مطالبة معاوية بدم الخليفة المقتول عثمان t ( بصفته أحد أبناء عمومته والأكبر سنّاً فيهم ، والأكثر قدرة منهم على ذلك ، فهو إذن وَلِيّه والمطالب بدمه ) . وقام معاوية بإشعار من كانوا حوله من أهل الشام أن السلطة المركزية لم تقتص من قتلة عثمان حتى بات ذلك مقبولاً عندهم ، لا يحيدون عنه. ثم كتب معاوية إلى عليّ : " أن أمْكنّا من قتلته نقتلهم به، ونحن أسرع الناس إليك ... " . لكن الخليفة علي t كان يرى أن يبايع له معاوية بالخلافة ، أولاً، ثم تتوحد جهودهما لحل هذه المعضلة . وكتب علي إلى معاوية كتاباً في هذا الشأن ، جاء فيه : " ... وقد أكثرت في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه الناس ، ثم حاكم القوم إليَّ ، أحملك وإياهم على ما في كتاب الله وسنة نبيّه ".
    7 - طلب معاوية أن يرد أمر الخلافة شورى بين المسلمين . ويظهر هذا المطلب واضحاً في رسالة بعث بها معاوية إلى أهل المدينة : " .. فإن دفعهم عليّ إلينا (يقصد قتلة عثمان) كففنا عنه ، وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عمر بن الخطاب t ، وأما الخلافة فلسنا نطلبها . ولكن عليّاً t لم يوافقه على هذا المطلب .
    أخذ معاوية في حث أهل الشام للوقوف إلى جانبه ، ولما تم له ذلك ، طلب جرير بن عبد الله البَجَلي ، مبعوث عليّ إليه ، وقال له : " يا جرير إلحق بصاحبك ، وأعلمه أَني وأهل الشام لا نُجيبه إلى البيعة" فكان هذا إيذاناً ببدء المواجهة بين الطرفين .
    جهَّز علي ومعاوية قواتهما وتولى كل منهما قيادة جيشه وتحرك كل منهما قاصداً إقليم الآخر . فكان أن التقى الجمعان في سهل واسع منبسط من أرض صفِّين ( شمال شرق سورية ) . وعسكر الطرفان هناك حوالي ثلاثة أشهر، كانت رُسُل الصلح تتردد خلالها بين الطرفين ، لعلَّ الله يكتب صلحاً واتفاقاً ولكن محاولاتهم باءت بالفشل . فاشتبك الطرفان ( ليلة الثامن من شهر صفر 37هـ /26 تموز/ يوليو 657م ، فيما عرف بليلة الهَرير ) في معركة دامية استمرت عدة ساعات استخدمت فيها مختلف أنواع أدوات القتال (سهام، رماح ، نبل ، سيوف ، عمد الحديد). وكان النصر قاب قوسين أو أدنى من جماعة عليّ ، لولا أن قام أهل الشام برفع المصاحف على أسنّة الرماح ، وأخذوا يصيحون : " يا أهـل العراق ، هذا كتاب الله حَكَماً فيما بيننا وبينكم". فعندئذ انقسمت جماعة عليّ عليه وأجبروه على وقف القتال ، فكان لهم ما أرادوا. واتفق الطرفان على التحكيم . وكتبا فيما بينهما وثيقة عرفت بعقد التحكيم . ومن بنودها :
    1) أَن يختار كل فريق منهما مُحَكِّماً واحداً يمثله في الاجتماع المقترح عقده للتحكيم .
    2) أَن يجتمع الحَكَمان في موضع عدل بين الكوفة والشام .
    3) أن يكون اجتماع الحَكَمين في شهر رمضان سنة 37هـ / كانون الثاني (يناير) 658م . وإن أرادا تأخير الاجتماع فلهما ذلك .
    4) أن يحضر مؤتمر التحكيم المُحَكّمين فقط مع عدد محدود يختاره كل طرف .
    5) أَن يتمتع المحكّمان بثقة وطمأنينة كلا الطرفين . وأن يكونا آمنين في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأهلهما " ما لم يعدوا الحق " .
    6) إذا توفي أحد المحكّمين قبل انتهاء الاجتماع فعلى جماعته أن يختاروا مكانه رجلاً " من أهل المَعْدَلَة والصلاح على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق " .
    7) أَن يُمنح أفراد القبائل من كلا الطرفين أماناً عاماً يستطيعون بموجبه أن ينتقلوا بحرّية وأمان تامَّين إلى انقضاء مدة الأجل .
    8) أَن يعود أهل الشام إلى ديارهم وكذلك أهل العراق .

    اختار أهل العراق أبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري نائباً عنهم، واختار أهل الشام عمرو بن العاص نائباً عنهم في مؤتمر التحكيم واجتمع مندوبا الطرفين في بلدة دُومَة الجَنْدَل ( 60 كيلاً مترياً جنوب غرب مدينة سكاكا في منطقة الجوف ، شمال المملكة العربية السعودية ) وقيل في بلدة أَذرح ( قرب معان والبتراء بالأردن ) وكان يرافق كل منهما حوالي 400 رجل من مختلف القبائل ).
    أما عن جلسات مؤتمر التحكيم ، وما دار بين الحكمين فيها من مناقشات ومداولات ، وما أسفرت عنه من نتائج ، فأمرها غامض . فالمصادر التاريخية تتحدث : أن أبا موسى وعمرو قد اجتمعـــا ،
    ومكثا أياماً يلتقيان سراً وجهراً ، ثم اتفقا على أن يخرجا للناس ويعلنا خلع عليّ ومعاوية ( رضي الله عنهما ) وأن يتركا الأمر شورى بين الناس . فقام أبو موسى وأعلن عن خلع الاثنين . ثم تبعه عمرو وأعلن موافقته على خلع علي t ولكنه أصرَّ على تثبيت معاوية مما أدى إلى أن يتخاصم الإثنان ويعود عمرو مسروراً إلى معاوية . لكن أبا موسى ، وقد عرف أنه خدع ، لم يستطع مواجهة علي t فركب ناقته ولحق بمكة . وعلى أية حال ، فإن مثل هذه الروايات لا تقدم للباحث أدلّة كافية يمكنه أن يستنبط منها حكماً قاطعاً على حقيقة ما جرى في اجتماعات الحكمين .ولعل خليفة بن خياط العصفري كان أقرب المؤرخين إلى الصواب . فهو يرى أنه : " لم يتفق الحكمان على شيء " مما اجتمعا لأجله .
    وانفض مجلس التحكيم . وانشغل علي t في مواجهة بعض المشاكل الداخلية التي سببتها له فئة من أعوانه كانوا قد رفضوا الانصياع لأوامره ، وخرجوا من عسكره فعرفوا فيما بعد ذلك بالخوارج .فحاربهم علي t في موقعة النَّهْرَوان (37هـ/658م) ولكن لم يتم القضاء على قوتهم بشكل تام . وثانية المشاكل التي واجهها علي t تتمثل في : رفض أحد كبار قادته وهو الأشعث بن قيس الكندي الذهاب لقتال أهل الشام عقب موقعة النَّهْرَوان. وكان مما قاله الأشعث : " يا أمير المؤمنين ، نَفَدت نِبالُنا ، وكَلَّت سيوفنا ، ونَصَلَت أسِنَّة رماحنا ، فارجع بنا إلى مِصْرنا ، لنستعد بأَحسن عُدَّتنا ". وكان لهذين الموقفين وغيرهما من المواقف تأثير كبير على عليِّ في مواجهته لخصومه .
    وأما معاوية فقد استفاد مما كان يواجهه عليّ من مشاكل فأرسل قواته وعليها عمرو بن العاص نحو مصر . واستطاع عمرو الاستيلاء عليها ، ومن ثم وليها لمعاوية منذ سنة 39هـ/660م.
    وفي محاولة أخرى لإشغال عليّ ، وعدم إعطائه فرصة كافية لتنظيم صفوفه ، فقد وجّه معاوية فرقاً من قواته لتغير على بعض المواقع في العراق، مثل : عين التَّمر وهِيت والأنبار والمدائن. كما وجّه معاوية فرقاً أخرى إلى مدن في الجزيرة العربية مثل مكة والمدينة والطائف ونجران وصنعاء وعدن ، لكن قوات عليّ تمكنت من التصدّي لقوات معاوية وطردتها من هذه الأماكن . ومع ذلك فلم يتمكن عليّ من حسم الموقف نهائياً لصالحه .
    وفي هذه الأثناء ، أُغتيل الخليفة على يدي أحد الخوارج ( في 17 رمضان لسنة 40هـ/ كانون الثاني/يناير 661م ) . وبويع لولده الحسن t بالخلافة من قبل أعوان والده . لكن الحسن وجد نفسه في موقف صعب معهم ، فالتقى بمعاوية في الكوفة وبايعه بالخلافة على شروط تختلف المصادر التاريخية في تحديدها. وبايعه الحسين بن علي t كذلك. وبعد أن رتَّب معاوية الأمور الإدارية في الكوفة والبصرة وعين ولاته عليهما، رجع إلى دمشق ومنها إلى بيت المقدس حيث بويع له بالخلافة في سنة 41هـ/661م . وكان ذلك يعني قيام الدولة الأموية ، واتخاذ دمشق عاصمة لها.
    وفي النهاية ، يمكن القول أن عدة عوامل قد تضافرت مع بعضها وأسهمت في تأسيس الدولة الأموية . ومنها : كفاءة معاوية الشخصية ، وما تجمَّع لديه من خبرات وتجارب واسعة في حياته العملية السابقة . بحيث مكَّنته من القدرة على التعامل مع مختلف الفئات ، والتفاعل مع أدق الحوادث . ومنها أيضاً : الولاء المطلق والطاعة العمياء والنصرة غير المحدودة التي قدمها أهل الشام لمعاوية في كل مراحل الخلاف. فهم كانوا قد بايعوا معاوية " على أنهم يقاتلون بين يديه ، ويموتون تحت ركابه " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق